فصل: فتح دمشق.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.بعوث الشام.

ولما استمد المسلمون أبا بكر بعث إليهم خالد بن الوليد من العراق واستحثه في السير إليهم فنفذ خالد لذلك ووافى المسلمين مكانهم عندما وافى ماهان والروم أيضا وولى خالد قباله وولى الأمراء قبل الآخرين أزاءهم فهزم ماهان وتتابع الروم على الهزيمة وكانوا مائتين وأربعين ألفا وتقسموا بين القتل والغرق في الواقوصة والهوي في الخندق وقتل صناديد الروم وفرسانهم وقتل تدارق أخو هرقل وانتهت الهزيمة إلى هرقل وهو دون حمص فارتحل وأخلد إلى ما وراءها لتكون بينه وبين المسلمين وأصر عليها وعلى دمشق ويقال إن المسلمين كانوا يومئذ ستة وأربعين ألفا: سبعة وعشرين منها مع الأمراء وثلاثة آلاف من إمداد أهل العراق مع خالد بن الوليد وستة آلاف ثبتوا مع عكرمة ردءا بعد خالد بن سعيد وأن خالد بن سعيد سماهم كراديس ستة وثلاثين كردوسا لما رأى الروم تعبوا كراديس وكان كل كردوس ألفا وكان ذلك في شهر جمادى وأن أبا سفيان بن حرب أبلى يومئذ بلاء حسنا بسعيه وتحريضه.
قالوا وبينما الناس في القتال قدم البريد من المدينة بموت أبي بكر وولاية عمر فأسره إلى خالد وكتمه عن الناس ثم خرج جرجه من أمراء فطلب خالدا وسأله عن أمره وأمر الإسلام فوعظه خالد فاستبصر وأسلم وكانت وهنا على الروم ثم زحف خالد بجماعة من المسلمين فيهم جرجه فقتل من يومه واستشهد عكرمة بن أبي جهل وابنه عمرو وأصيب عين أبي سفيان واستشهد سلمة بن هشام وعمرو وأبان ابنا سعيد وهشام بن العاص وهبار بن سفيان والطفيل بن عمرو وأثبت خالد بن سعيد فلا يعلم أين مات بعد ويقال استشهد في مرج الصفر في الواقعة الأولى.
ويقال إن خالدا لما جاء من العراق مددا للمسلمين بالشام طلب من الأدلاء أن يغوروا به حتى يخرج من وراء الروم فسلك به رافع بن عمرو الطائي من فزارة في بلاد كلب حتى خرج إلى الشام ونحر فيها الإبل وأغار على مضيخ فوجد به رفقه فقتلهم وأسلبهم وكان الحرث بن الأيهم وغسان قد اجتمعوا بمرج راهط فسلك إليهم واستباحهم ثم نزل بصرى ففتحها ثم سار منها إلى المسلمين بالواقوصة فشهد معهم اليرموك ويقال: إن خالدا لما جاء من العراق إلى الشام لقي أمراء المسلمين ببصرى فحاصروها جميعا حتى فتحوها على الجزية ثم ساروا جميعا إلى فلسطين مددا لعمرو بن العاص وعمرو بالغور والروم بجلق مع تدارق أخي هرقل وكشفوا عن جلق إلى أجنادين وراء الرملة شرقا ثم تزاحف الناس فاقتتلوا وانهزم الروم وذلك في منتصف جمادى الأولى من السنة وقتل فيها تدارق ثم رجع هرقل ولقي المسلمين بالواقوصة عند اليرموك فكانت واقعة اليرموك كما قدمنا في رجب بعد أجنادين وبلغت المسلمين وفاة أبي بكر وأنها كانت لثمان بقين من جمادى الآخرة.

.خلافة عمر رضي الله عنه.

ولما احتضر أبو بكر عهد إلى عمر رضي الله عنه بالأمر من بعده ان شاور عليه طلحة وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم وأخبرهم بما يريد فيه فأثنوا على رأيه فأشرف على الناس وقال: إني قد استخلفت عمر ولم آل لكم نصحا فاسمعوا له وأطيعوا ودعا عثمان فأمره فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويوقن فيها الفاجر إني استعملت عليكم عمر ابن الخطاب ولم آل لكم خيرا فإن صبر وعدل فذلك علمي به ورأيي فيه وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فكان أول ما أنفذه من الأمور عزل خالد عن إمارة الجيوش بالشام وتوليه أبي عبيدة وجاء الخبر بذلك والمسلمون مواقفون عدوهم في اليرموك فكتم أبو عبيدة الأمر كله فلما انقضى أمر اليرموك كما مر سار المسلمون إلى فحل من أرض الأردن وبها رافضة الروم وخالد على مقدمة الناس فقاتلوا الروم.

.فتح دمشق.

واقتحموها عنوة وذلك في ذي القعدة ولحقت رافضة الروم وعليها ماهان من البطارقة فحاصرهم المسلمون حتى فتحوا دمشق وأظهر أبو عبيدة إمارته وعزل خالد وقال سببه أن أبا بكر يسخط خالد بن سعيد والوليد بن عقبة من أجل فرارهما كما مر فلما ولي عمر رضي الله عنه أباح لهما دخول المدينة ثم بعثهما من الناس إلى الشام ولما فرغ أمر اليرموك وساروا إلى فحل وبلغ عمر خبر اليرموك فكتب فعزل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص حتى يصير الحرب إلى فلسطين فيتولاها عمرو وأن خالدا قدم على عمر بعد العزل وذلك بعد فتح دمشق وأنهم ساروا إلى فحل فاقتحوها ثم ساروا إلى دمشق وعليها نسطاس بن نسطورس فحاصروها سبعين ليلة وقيل ستة أشهر من نواحيها الأربع خالد وأبو عبيدة ويزيد وعمرو كل واحد على ناحية وقد جعلوا بينهم وبين هرقل مدينة حمص ومن دونها ذو الكلاع في جيش من المسلمين وبعث هرقل المدد إلى دمشق وكان فيهم ذو الكلاع فسقط في أيديهم وقدموا على دخول دمشق وطمع المسلمون فيهم واستغفلهم خالد في بعض الليالي فتسور سورهم من ناحيته وقتل الوليد وفتح الباب واقتحم البلد وكبروا وقتلوا جميع من لقوه وفزع أهل النواحي إلى الأمراء الذين يلونهم فنادوا لهم بالصلح والدخول فدخلوا من نواحيهم صلحا فأجريت ناحية خالد على الصلح مثلهم.
قال سيف: وبعثوا إلى عمر بالفتح فوصل كتابه بأن يصرف جند العراق إلى العراق فخرجوا وعليهم هاشم بن عتبة وعلى مقدمته القعقاع وخرج الأمراء إلى فحل وأقام يزيد بن أبي سفيان بدمشق وكان الفتح في رجب سنة أربع عشرة وبعث يزيد دحية الكلبي إلى تدمر وأبا الأزاهر القشيري إلى حوران والبثنة فصالحوهما ووليا عليهما ووصل الأمراء إلى فحل فبيتهم الروم فظفر المسلمون بهم وهزموهم فقتل منهم ثمانون ألفا وكان على الناس في وقعة فحل شرحبيل بن حسنة فسار بهم إلى بيسان وحاصرها فقتل مقاتلتها وصالحه الباقون فقبل منهم وكان أبو الأعور السلمي على طبرية محاصرا لها فلما بلغهم شأن بيسان صالحوه فكمل فتح الأردن صلحا ونزلت القواد في مدائنها وقراها وكتبوا إلى عمر بالفتح.
وزعم الواقدي أن اليرموك كانت سنة خمس عشرة وأن هرقل انتقل فيها من أنطاكية إلى قسطنطينية وأن اليرموك كانت آخر الوقائع والذي تقدم لنا من رواية سيف أن اليرموك كانت سنة ثلاث عشرة وأن البريد بوفاة أبي بكر قدم يوم هربت الروم فيه وأن الأمراء بعد اليرموك ساروا إلى دمشق ففتحوها ثم كانت بعدها وقعة فحل ثم وقائع أخرى قبل شخوص هرقل والله أعلم.